سماسرة غير شرعيين يجلبون عمالة مكبّلة بالديون

أكد خبراء سوق العمل ووافدون أن أهم الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات العمالية داخل الدولة هي شركات التوظيف في البلدان المصدّرة للعمالة، مشيرين إلى أن «هذه الشركات تخدع الباحثين عن عمل بوعود خيالية لاستنزاف أموالهم وتكبيلهم بالديون قبل إلحاقهم بالعمل، ما يتسبب بدوره في ضغوط اجتماعية ونفسية على العمال الوافدين، ومن ثم تأتي الاضطرابات والمشكلات العمالية».



من جانبهم اعترف بعض المسؤولين في الدول المصدرة للعمالة بأن السماسرة غير الشرعيين يجلبون العمال مكبلين بالديون والمشكلات للدولة. وقصّ علاء عماد عبدالموجود، حارس أمن في مول تجاري شهير في دبي، أنه قرأ إعلانا في صحيفة يومية يطلب ضباط أمن للعمل في دولة الإمارات بشرط اجادة اللغة الإنجليزية، وتقدم للوظيفة مع آلاف غيره واجتاز بعض الاختبارات الصورية ومن ثم تم قبوله للعمل تسع ساعات وثلاث ساعات إضافية براتب شهري 1200 درهم، مع توفير السكن والمواصلات، بشرط دفع قيمة تذاكر السفر ورسوم استخراج التأشيرة بالإضافة إلى نحو 5000 درهم أخرى.



وأضاف أن المقبولين اسرعوا لتدبير المبالغ المطلوبة بالاستدانة والتوقيع على شيكات دون رصيد، مؤكدا أن جميع من تقدموا للوظيفة كانوا يدركون ضعف الراتب وصعوبة توفير أي جزء منه، لكنهم مضوا في التجربة بعد تأكيدات من مسؤولين في شركة التوظيف بتعديل العقود بعد ستة أشهر من الالتحاق بالعمل، وهو ما ثبت أنه كذب بعد الحضور إلى الدولة.



ذهب الزوجة
وقال سيد جلال، مدرب قيادة سيارات آسيوي الجنسية، إن الشركة التي رشحته للوظيفة حصلت منه على نحو 75 ألف روبية، جمعها من بيع سيارته وذهب زوجته على أمل تعويض المبلغ خلال فترة وجيزة، لافتا إلى أن هذه المبالغ كافة دفعها دون الحصول عى إيصالات ولم ترد في عقد العمل، بل كتب تعهداً بأنه لم يقم بدفع أية مبالغ نظير عمله.



وأشار جلال «التحقت بالعمل في شركة مقاولات براتب 800 درهم وظللت عاما كاملا أدّخر حتى أستطيع تعويض المبلغ، وبعد انتهاء العقد حصلت على ترخيص للعمل مدرب قيادة في أبوظبي».



كذلك أكّد ناجي حقي، حارس أمن، تعرضه لعملية خداع كبرى هو وزملاؤه من جانب شركة التوظيف، حيث أبلغه مسؤولون في الشركة بإمكانية حصوله على عمل أفضل داخل الدولة إذا توافرت له فرصة البحث ومن ثم قبل العمل حارس أمن، على الرغم من حصوله على شهادة ماجستير في التجارة الخارجية، وعندما التحق بالعمل فوجئ بأن السبيل الوحيد لتغيير عمله الحالي والالتحاق بعمل آخر هو الخروج من الدولة لمدة ستة أشهر وهو أمر مستحيل في ظل الديون التي تثقل كاهله وكاهل أسرته.



مكتب التشغيل
وقال عزت عبدالمقصود، نادل في أحد مقاهي أبوظبي، إن إجمالي المبالغ التي دفعها للحصول على العمل بلغ 8000 درهم، تلقاها مكتب التشغيل وصاحب العمل نظير التأشيرة وبطاقة العمل والإقامة.



وأكد حراس أمن على أبواب المقر الرئيس لوزارة العمل في أبوظبي «ع ، م» أنه التحق بالعمل داخل الدولة براتب 1300 درهم شهريا بعد أن دفع للشركة المحلية الوسيطة ما يعادل 9500 درهم عمولة.



وقال كبير خبراء وحدة البحوث في منظمة الهجرة الدولية، الدكتور ايرودايا راجان، إن عدد شركات العمالة المرخصة في الهند يبلغ نحو 500 شركة فقط، موضحا أن نهج وأسلوب عمل هذه الشركات قانوني ظاهريا، لكن نسبة كبيرة منها ترتكب مخالفات بحق العمال بطرق مختلفة، ومن ثم فإنها تحتاج إلى ضوابط حقيقية لمنعها من إهدار حقوق العمال.



وأضاف أن على الجهات المحلية أن تبادر بوضع حد أدنى للرواتب بحسب نوع العمل وخبرة العامل ونسبة الزيادة، لأن ذلك من شأنه أن يمنع الشركات من الاستغلال. الطبيعة الجغرافية ورأى خبير الشؤون العمالية، مدير تطوير الأعمال في شركة سواعد للتوظيف سابقا الدكتور عماد الدين عمر، أ


نه من المحال بالنسبة لشركات جلب العمالة داخل الدولة أن تتعامل مباشرة مع العمال في دول المصدر، لصعوبة الوصول إليهم نظرا للطبيعة الجغرافية التي تتميز بالاتساع، مع وجود أغلب العمّال في المناطق النائية والبعيدة، ومن ثم فإن الشركات المحلية تضطر للتعامل مع شركات أجنبية داخل الدولة لتوفير العمالة المطلوبة.


وأضاف أن الطبيعة الاجتماعية والبيئية لبعض البلدان المصدرة للعمالة تجعل من المستحيل السيطرة على هذه الشركات والتي تشبه الإمبراطورية المستقلة في تشعّباتها ونفوذها، وضرب مثالا بالقارة الهندية، حيث قضى فيها أكثر من 15 عاما،

حيث يتم جلب العامل عن طريق وكلاء محليين داخل القرى والأماكن النائية، ثم يتم إرسال العامل إلى وكيل آخر أكثر مركزية في المدينة ثم إلى عاصمة الولاية ثم إلى العاصمة نفسها، وعند كل حلقة من حلقات هذه السلسلة يضطر العامل إلى دفع الأموال في عملية سمسرة كبرى بشكل غير قانوني.


آلاف السماسرة
وأشار عمر إلى أن عدداً من الشركات الهندية المرخصة يقدر بالآلاف، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من السماسرة غير المرخصين، وفي بنغلاديش 1000 شركة توريد عمالة مرخصة، على الرغم من كونها تعد أصغر الدول المصدرة للعمالة، ما يدل على أن حكومات هذه الدول لن تستطيع السيطرة عليها بشكل كامل، مؤكدا أن هناك شركات مخالفة مدعومة سياسياً، ما يجعل من الصعب السيطرة عليها.



من جانبه قال المستشار العمالي للسفارة المصرية محمد عطية إن وزارة القوى العاملة في مصر تتخذ كل الوسائل لمنع تلاعب الشركات بالعمال وتحصيل مبالغ مالية منهم حيث يحدد القانون ما يعادل 2% من قيمة رواتب السنة الأولى من العمل كحد أقصى يمكن تحصيله من العامل.



وأضاف أن أغلب المخالفات يرتكبها سماسرة إلحاق عمالة بالخارج غير مرخصين، وليس الشركات لأنها تخضع لقوانين العمل ورقابة وزارة القوى العاملة، بينما هؤلاء الأفراد يعملون بشكل مخالف، وأفاد عطية بأن السفارة تبلغ وزارة القوى العاملة عن أية شكوى تتلقاها من جانب مصريين يعملون في الدولة، وتتحرك الوزارة لتوقيع عقوبات على المخالفين تبدأ بالإنذار وتصل للإيقاف مع رد المبالغ إلى أصحابها مرة أخرى، كما يتم إبلاغ مباحث الأموال العامة التي تتولى مهمة ضبط الأفراد الذين يعملون في هذا المجال دون ترخيص.



تكاليف المعيشة
وأكّد عطية أن هناك حملات توعية تقوم بها الجهات الرسمية في مصر لتوعية المقبلين على العمل في الخارج حول طبيعة العمل والحياة وتكاليف المعيشة والغلاء عن طريق القوى العاملة ووحدة إرشادات السفر في وزارة الخارجية حتى يكون العامل على دراية كاملة بظروف العمل كافة قبل الالتحاق به، مناشداً العمّال الذين يتعرضون للتلاعب أو الاستغلال إبلاغ وزارة القوى العاملة قبل سفرهم. أما المستشار الاقتصادي في السفارة اليمنية جمال القوصي، فقال إن اليمن بدأت منذ عامين سن تشريعات جديدة لتنظيم عمل شركات إلحاق العمالة في الخارج بعد تزايد أعداد اليمنيين العاملين في الخارج،



خصوصا في دول التعاون الخليجي، وسابقا كان العمّال يعملون عن طريق مواطنين يمنيين موجودين في دول استقبال العمالة بشكل شخصي غير منظم، موضحا أن القوانين الجديدة تحظر على الشركات تلقي أية أموال من العمّال المتقدمين نظير سفرهم للخارج، ولم تتلق الجهات المسؤولة حتى الآن أية شكاوى متعلقة بهذا الخصوص. وقال ممثل الوفد الفلبيني في لجنة الخبراء التي تتابع تنفيذ توصيات إعلان أبوظبي، إن عدد شركات العمالة الفلبينية أكثر من 1000 شركة، وأن هذا الرقم في تزايد مستمر،



مؤكدا أن هناك اجتماعات متواصلة بين ممثلي الدول المصدرة بهدف وضع أطر جديدة للتعامل مع شركات إلحاق العمالة، وكشف أن من بين الاقتراحات الواردة تصنيف شركات العمالة بحسب قطاعات العمال والأنشطة ووضع معايير خاصة بكل منها.



أما الملحق العمالي بالسفارة الفلبينية ناصر منذر فقدّر عدد شركات العمالة المحلية المرخصة في الفلبين بـ200 شركة على الأقل، لافتا إلى أن الحكومة الفلبينية بدأت في تطبيق سياسات جديدة أكثر صرامة لضبط عمل الشركات المصدرة للعمالة لدول الخليج والشرق الأوسط، ومن العقوبات التي تفرض عليها الإيقاف مدة ثلاثة إلى ستة أشهر والغرامات المالية وتصل إلى إغلاق الشركة وإلغاء ترخيصها حال قيامها بأي عمل من شأنه انتهاك حقوق العمال.



تشريعات جديدة
وكان السفير الهندي، تلميذ أحمد، صرّح لـ«الإمارات اليوم بأن الهند تعمل حاليا على تطوير قوانينها الخاصة بتوريد العمالة الهندية للخارج، من بينها قانون «الهجرة» للحد من ظاهرة شركات توريد العمالة الهندية التي تعمل بشكل غير قانوني داخل الهند بعد أن اكتشفت الأجهزة الرقابية أن أغلب مشكلات العمالة الهندية الخارجية مصدرها هذه الشركات التي تخدع العمال بالوعود غير الصادقة.



وأضاف أن القوانين الجديدة تنص على توقيع عقوبات مشددة على الشركات المخالفة، تبدأ بالإيقاف وتصل إلى السجن في حال صدور أية تجاوزات أو إهدار لحقوق العمالة، كما ستلزم الجهات الرسمية شركات «إلحاق العمالة» بأهمية تقديم كل المعلومات للعمالة المرشّحة للسفر إلى أية دولة خارجية حول ظروف العمل التي يتعرضون لها وتفسّر لهم بنود عقود العمل المبرمة بينهم وبين صاحب العمل، والطرق القانونية التي يمكن أن يسلكوها في حال انتهاك أي حق من حقوقهم، وكذلك الواجبات التي عليهم الالتزام بها خلال مدة العقد.




الثلاثاء 22 إبريل 2008